هكذا الحال:

**بو سعيد** الأربعاء أغسطس 10, 2011 4:16 pm

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

هكذا الحال:

كنت راكبا حافلة لندن ذات الطابقين المشهورة مخترقا شارع اكسفورد المعروف كانت الحافلة تحمل رقم (7) وآخر محطة لها هي Russell square ...حيث أنزل هناك وهذه المحطة تقع بالقرب من المستشفى .
كانت الحافلة شبه خالية .... كان يجلس في أحد مقاعدها رجل يبدو من ملامحة أنه عربي .. قد تعدى الخمسين ... كان يجلس متكأ على الكرسي المقابل قد وضع بالقرب منه كثير من أكياس المشتريات ، معظمها مستلزمات منزلية وخضروات وفواكه .
جلست بالقرب منه علني أن أتبادل معه حديث بلغتي العربية .... وبالفعل فقد كان صاحبنا هذا عربي ...ممن هاجروا من بلدهم منذ فترة طويلة هربا من ذلك الحاكم الظالم ....
بدأت أتحدث معه وإذا به وكأنه يريد أن يخرج كل ما في نفسه من قهر وتحديات الزمان الذي مر به

بدأ يشرح لي ظروفة وحياتة الماضية وكيف خرج من بلدته وكيف تغرب في هذا البلد ... وكيف استطاع أن يأتي بأفراد عائلته .... ثم تطرق الحديث إلى قسوة الحياة المعيشية في المملكة المتحدة وغلاء الأسعار وأخبرني بأنه يعيش الآن على المعونة الاجتماعية التي توفرها له الحكومة البريطانية .
ومما قاله لي : لقد تشردنا .... لست وحدي إنما جيل بأكمله في مثل حالتي ... كنا نعيش في قريتنا عيشة هنية نرضى بما قسمه الله لنا .. لا نحمل هما للقمة العيش كنا نرضى بالقليل ، ونشكر الله على ما تفضل به علينا .... لكن دوام الحال من المحال وذلك بعد أن خرج للنور ذلك الحزب الآثم وعلى رأسه ذلك الحاكم لم يبق الحال على ما هو عليه ، بل تحولت الأمور للأسوأ .. زادت المظالم وتعسرت الأرزاق وتشرد كثير من الناس .. وأنا واحد منهم ....
ثم يردف قائلاً : وحتى الآن وبعد سقوط ذلك النظام لا أستطيع العودة فأولادي وأهلي أصبحوا مواطنين بريطانيين ...الصغار منهم يدرسون في المدارس البريطانية والكبار يعملون هنا ... هذا مصيري ومصير كثير من أمثالي .

إلى هنا وأنقطع الحديث بيننا وذلك بسبب تغير وجهة الحافلة وخروجها عن خط سيرها المعروف ، ومن ثم توقفها تماما .... حيث قال لنا السائق إنه توجد تحويلة في الطريق ولا يستطيع المرور بها لضيق الشارع عن استيعاب الحافلة و علية أن يرجع مرة أخرى ، وعلينا أن ننزل ونكمل الطريق بأي وسيلة أخرى .
نزلنا من الحافلة ... لم يكن المكان الذي أقصده بعيدا عن المكان الذي توقفت فيه الحافلة ،لذلك فضلت أن أمشي باقي المسافة ، كذلك صاحبنا الذي كنت أتحدث معه ... ولكن .... تلك الأكياس الكثيرة التي معه ماذا يصنع بها وكيف يحملها إلى أن يصل منزله ... تقدمت طالبا مساعدته في حمل بعض تلك الأكياس لكنه أبى بإصرار .... ثم استعان بالله وبدأ المسير بصعوبة ... توقفت قليلا بعد أن ودعته ... ثم أخذت أرقبه من بعيد .... يمشي مسافة قليلة ثم يتوقف ليريح يده ... ثم يمشي من جديد ... وفجأة عند محاولته تخطي أحد الأرصفة وإذا به يتخبط ويسقط على وجهه وتتناثر الأكياس من يده وتتدحرج منها الفواكه وبقية المشتريات ..
سارع بعض من كان حوله بمساعدته على النهوض وجمع ما تناثر منه .... جلس بجوار تلك الأكياس يستريح قليلا ويصلح من حاله .... ثم بدأ المسير من جديد ...

يرفع رجلا وينزل الأخرى بصعوبة إلى أن اختفى بين الأزقة .

أيها الإخوة الكرام هذه حال كثير ممن تشردوا في الغرب لم تكن الغربة أسعد حالا لهم من عيشتهم في بلدهم لقد أثرت على أبنائهم عيشة الغرب فأصبحوا مشوهين الهوية لا انتماء لهم وأثرت هذه العيشة عليهم .. فيمر عليهم اليوم بل السنة وهم في هم وحزن وتفكير في المستقبل وما يحمله لهم .

انتهى

شكرا لكم
كاتب الموضوع / بو سعيد